الأربعاء، 4 يونيو 2008

أسماء الله الحسنى : هو الله





















































بِسْمِ الله الرَّ حمَنِ الرَّحِيمِ
هو الله
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللّهم لا علم لنا إلاّ ما علمتنا إنّك أنت العليم الحكيم، اللّهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصّالحين .
أيّها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الخامس والتسعين من دروس أسماء الله الحُسنى والاسم اليوم هو الله وهو من الأسماء الحُسنى الزائدة عن الأسماء التِّسْعة والتِّسْعين والتي وردت في الأحاديث الصحيحة .
و " هو " ضمير عائِد على الله جل جلاله ولِشِدَّة ظهوره فإذا قلت: "هو " أيْ هو الله وتقريباً لِهذا المعنى من أذْهانِكم نضرب مثلاً قد يكون في بيْتٍ أو في معْمَل أو في مدْرسة ، أو في مُسْتَشْفى أو في مؤسسة شخْصٌ كبير هو كلُّ شيء فَلَوْ تتَبَّعْت أقْوال من هم دونَهُ تجدهم يقولون ذهب جاء وما أراد فكلُّ الأفْعال التي يُغْفَل فاعِلها يُقْصَد منها هذا المدير العام الذي هو كلُّ شيءٍ في هذه الدائرة ، "هو" من أسْماء الله الحُسنى وهو ضمير غائبٍ يعود على الله عز وجل وبِالمناسبة الضمائر لها في اللغة شأنٌ كبير فهي اسم ومعْرِفة وكُلكم يعْلم أَنَّه قال بعض النُّحاة :

إنَّ المعارِف سَبْعةٌ فيها كَمُل أنا صالِحٌ ذا مَا الفَتى ابن يا رجل

"هو" من الأسماء التي تُعَدُّ معْرِفَةً سأُلْقي على مسامِعِكم نصاً من دون ضمائر من أجل أن تعرِفوا قيمة الضمائر :
" أرْسل قَيْصر ملِك الروم رسولاً إلى عمر بن الخطاب لِيَنْظر الرسول أفْعال عمر بن الخطاب ويُشاهد الرسول أحوال عمر بن الخطاب فلما وصل المدينة سأل أهل المدينة أين ملِك أهْل المدينة فقال أهل المدينة ليس لأهل المدينة مَلِك بل لأهل المدينة أمير " .
فهذا نصٌ غير معْقول لأنه لم نسْتَخْدِم فيه الضمائر أما لو قلنا : أرسل قَيْصَر ملك الروم رسولاً إلى عمر بن الخطاب لِيَنْظر الرسول أفْعالَهُ ويُشاهِد أحْوالَهُ فلما دخل المدينة سأل أهْلَها أينَ مَلِكُكُم ؟ فقالوا : ليس لنا ملَكٌ بل لنا أمير ؛ شتان بين النص الأول والنص الثاني فالأول لا يُحْتَمَل لِكَثْرة التَّكْرار بينما النص الثاني يحْوي ضمائر مُسْتَتِرة وضمائر ظاهرة وأخرى تُشير إلى المُتَكَلِّم والمخاطب والغائب وضمائر مفْردة ومثناة وجمع.
فالضمير اسم معرِفة يعود على معْرِفَةٍ أيْضاً فالذي يُشير إلى معْرِفة يعدّ معْرِفة ، "هو" ضمير عائِدٌ على الله جلَّ جلاله ومعناهُ حاضِر لا يغيب والله جل جلاله مع كلِّ إنْسان بِعِلْمِهِ ومع المؤمن بِتَوْفيقِهِ وحِفْظِه وتأييدهِ ونصْرِهِ وهذه حقيقةٌ ذكرْتُها كثيراً حينما يقول الله عز وجل: وهو معكم أيْنما كنتم " أيْ معكم بِعِلْمِهِ مع العاصي والفاجر ومع الكافر ومع المُلْحِد ولكن حينما يقول الله عز وجل : " إن الله مع المؤمنين " و " إن الله مع المتقين " .
هذه معِيَّةُ تأييد وحِفْظٍ ونصْرٍ وتوْفيق إلا أنَّ هذه المعِيَّةَ لها ثمَنٌ كبير وقال الله تعالى :



































(سورة المائدة)
ادْفع الثمن وإقْبَض النتيجة ؛ فأَقِمِ الصلاة وآتِ الزكاة وإنْصُر الحق وكُن مع المؤمنين فَسَوْف تقْطِف ثِمار هذه الطاعة مَعِيَّةَ ربك جل جلاله حِفْظاً وتأييداً ونصْراً وتوْفيقاً .
قال بعض العلماء : "هو" عند أهْل الظاهر مُبْتَدأٌ يحْتاج إلى خبر لِتَتِمَّ الجمْلة وعند أهْل القلوب لا يحْتاج إلى خبر فَهُوَ مُبْتَدأ وخبَر " ، بعضهم يقول إذا قلت في ذِكرك : الله الله فهذا لا يجوز نقول لهم لِماذا ؟ لأنَّ الله كلِمة لا تفيد معنىً كامِلاً يجب أنْ يليها خبر ، نسْألك : إذا جاء إنسان وقلنا من الذي جاء ؟تقول: أحمد فَأحمد كلمة مُفْردة ولكنها تُشير إلى خبر ؛ الذي جاء هو أحمد فإذا قلت الله ؛ خالِقُنا الله ومُرَبينا الله ومُبْدِعنا الله ومُوَفِّقُنا الله مُعطينا الله ورازِقنا الله ومُعِزُّنا الله فَكَلِمة الله لو جاءت مُفْردةً تعني خبراً فكلِمة هو عند أهل الظاهر تحْتاج إلى خبر وفي آياتٍ كثيرة :















(سورة الحشر)
لكن عند أهل الحقيقة " هو " لا تحْتاج إلى خبر فَهِي مبتدأ وخبرلأنها تُشير إلى الله عز وجل والله جل جلاله ظاهِرٌ في كُلِّ شيء .
وبَعْضُهُم قال : "هو" الهاء تخْرُج من أقْصى الحَلْق وهو آخر المخارج في الفم والواو تخْرج من الشَّفَة فآخر حرْفٍ وأوَّل حرْف " قال تعالى :













(سورة الحديد)
حرف الهاء آخر حرْفٍ في الحَنْجَرة وحرف الواو أوّل حرف بين الشَّفَتين وهو اسْتِنباط لطيف .
وبعض العلماء يقولون : "هو" اسم الله الأعظم وإذا دَعَوْت به أجابك وهناك أشياء كثيرة حول هذا الاسم " ؛ قبل أن نَمْضي في الحديث عن تفاصيلِها يجب أنْ أَضَع بين أيْديكم الآيات الكثيرة التي وردت فيها كلِمة "هو" أو التي ورد فيها اسم الله الأعظم "هو" .
ففي البقرة قال تعالى :
















































(سورة البقرة)
هُوَ تعود على الله جل جلاله ، وفي فاتِحة آل عِمران :








(سورة آل عمران)
وفيها أيْضاً قوله تعالى :











(سورة آل عمران)
ففي أثناء الحديث عن الله عز وجل تقول لأخيك المؤمن مثلاً : هو الذي أكْرَمَنا وهو الذي أَمَدَّنا وهو الذي وَفَّقَنا وهو الذي أعْطانا ؛ هو ربنا وخالِقُنا ومُعِزُّنا والمُوَفِّق والواحد الأحد ، وفي الكَوْن حقيقةٌ هي أصْل كلِّ الحقائق ومَوْجودٌ هو أصْل كلِّ مَوْجود وهو : الله عز وجل وأيُّ شيءٍ قَرَّبَك إلى الله عز وجل هو الخير والصلاح والفلاح والنجاح وأيُّ شيءٍ أبْعَدَكَ عنه هو الشر .
فَمُلَخَّص المُلَخَّص أنَّ الله سبْحانه وتعالى هو كلُّ شيءٍ فأيُّ شيءٍ قرَّبَك إليه هو الخير والحق والنجاح والفلاح وأيُّ شيءٍ أبْعَدَك عنه هو الباطِل ، لذلك كثيراً ما يسْتَخْدم المسْلِم في حديثِهِ اليَوْمي كلِمَة "هو" هو الله، قال تعالى :





















(سورة آل عمران)
وقال تعالى :







(سورة آل عمران)
لابُدَّ من ضرْب بعض الأمثِلة ؛ لوْ أنَّ شرِكَةً تقَدَّمَت بِمُناقَصَةٍ كبيرةٍ جداً وأرادَت أنْ تُعَرِّف من تنْوي أنْ تعْمل عنْدهم بِحَجْمِها وقُدْرَتِها وإبْداعِها وخِبْرَتِها وإمْكاناتِها وحِكْمَتِها وتُقَدِّم صورةً للمشْروع وتقول هذه الشركة هي التي صنعت هذا المصْنع - دقِّق - وهي التي أنْشَأتْ هذه المُنْشَأة وهي التي بنَتْ هذا الجِسْر وهي التي أنْشَأت هذا المُسْتَشْفى وهذا السَدّ وهي التي فعلت كذا وهي التي فعلت كذا وكذا ؛ أَعَرَفْتَها من هي ؟ أَعَرَفْتَ حجْمَها وإمْكاناتِها وقُدْراتِها ؟ هذا مَثَلٌ للتقْريب قال تعالى :







(سورة الحديد)
" هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " .


(سورة غافر)

(سورة الذاريات)
أَعَرَفْتَهُ من هو ؟ هو الله ؛ الله هو الرزاق والخالِق والبارىء والمُصَوِّر وهو المعِزّ والمذِلّ لِذلك "هو" من أسْماء الله الحُسْنى .
أعود وأُكَرِّر تقْريباً للحقيقة : في أيِّ مكانٍ أو مُجَمَّع أو دائرة أو مُؤسَّسة قد يكون هناك شَخْص مِلْء السمع والبصر وهو كلُّ شيءٍ ولا يُبْرم أمرٌ من دونِهِ وكثيراً ما نسْتَغْني عن ذِكر اسْمِه ونقول : "هو" هو الذي أراد عَرَضْنا عليه الأمر فلم يُوافق وتقول : سَيَأتي وذَهب فمن هو؟ مِن شِدَّة ظهورِه أغْفَلْتَ اسْمَهُ واسْتَعَضْت عن اسْمِهِ بِضَمير فَلِذلك الله جل جلاله عند المسلم وعند المؤمن حياتُهُ ومماتُهُ وتَوْفيقُهُ وتأْديبُهُ فَلِذلك دائِماً وأبَداً يجْري على لِسانِهِ اسْمُهُ الأعْظم "هو" .
قال تعالى :
(سورة الأنعام)
وقال تعالى :

(سورة الأنعام)
وقال تعالى :

(سورة الأنعام)
وهناك آية أخرى :

(سورة يونس)
" وإن يُرِدْك بِخَيْر " وقال تعالى :
(سورة الأنعام)
أَعَرَفْتَهُ من هو ؟ هو القاهِر فوق عِبادِه وقال تعالى :" وهو الحكيم الخبير " ويقول أيْضاً :

(سورة الأنعام)
لو أنَّ الإنسان تتَبَّعَ كلِمة "هو" في القرآن الكريم لَجَمَّع من آياتٍ كثيرةٍ وردت فيها كلِمة "هو" أو اسْم الله الأعظم "هو" بَحْثاً كبيراً ودقيقاً جداً فهو الذي فعل كذا وكذا ؛ هو الحكيم وهوالقاهِر وهو الرحيم والرزاق والجبار والمُتَكَبِّر والمُنْتَقِم والمُذِلّ ؛ أَعَرَفْتَهُ ؟ هو الله جل جلاله ، قال تعالى :

(سورة الأنعام)
وقال تعالى :

(سورة الأنعام)
والآيات التي تتحَدَّث عن اسم الله "هو" كثيرةٌ كثيرة بل إنَّ مُعْظم آيات القرآن الكريم تنْطوي على كلِمة "هو" بعْد هذا الشرْح الطويل هل عرَفْتَ الله ؟ فإذا قُلْتَ عرَفْتُهُ فماذا فَعَلْتَ من أجْلِهِ ؛ هل والَيْتَ فيهِ ولِياً ؟ وهل عادَيْتَ فيهِ عدُواَّ ؟ وهل أَعْطَيْتَ لله ؟ وهلْ منَعْتَ لله ؟ وهل غضِبْت لله ؟ وهل رضيتَ لله ؟ وهل تحَرَّكْت لله ووقَفْتَ له ؟ وهل تَكَلَّمْت لله ؟ وهل سكَتَّ لله ، فالثمرة التي ينْبغي أنْ تَقْطِفها من معْرِفة الله هي الخُضوع لله ، وذكرْت لكم من قبل أنَّ التسْبيح هو التَّمْجيد والتَّنْزيه ولا معنى للتَّمْجيد وللتَّنْزيه دون الخضوع لله عز وجل كما أنَّه لا معنى أنْ تُطيل الحديث عن كلِمة "هو" من دون أنْ تَخْضَع له .
قال بعض العلماء : " كلِمة "هو" أو اسْم الله الأعظم "هو" ورد كثيراً في سورة الأنْعام حتى زاد ذِكْرُهُ عن عِشْرين مرَّة " ؛ ولا بدّ أنْ أُعَرِّفكم أنَّ أسْماء الله الحسنى على نوْعَين : نوْعٌ وردت فيه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، ونوْعٌ اسْتُنْبِط من القرآن الكريم فما دام في كِتاب الله مئات كلمة "هو" وهي تعود على الله عز وجل فهِيَ من أسماء الله الحُسنى ، في الأنعام مثلاً عِشْرين مرة وردَتْ كلِمة هو وفي الأعراف قوله تعالى :

(سورة الأعراف)
الآن التطبيق العمَلي ، لو نظرْت إلى السماء فَرِأَيْت فيها سحاباً مُمْطِراً ؛ ماذا تقول ؟ المؤمن يقول : هو الذي أرْسَل هذا السَّحاب وهو الذي أنزل هذا المطر وهو الذي حرَّك هذه الرياح وفَجَّر هذه الينابيع وهو الذي أنْبَتَ هذا النبات وجعل هذه الأشْجارَ تُثْمِر "هو" لا يرى في حياتِهِ إلا الله وهذه كما قال عنها العلماء وحدة الشهود ؛ كلما نما إيمانُك ترى الله وراء كلِّ شيء وكلَّما ضَعُفَ إيمانُك تُحْجَبُ عن الخالِق بِالخلق ويُحْجَب الإنسان عن المُنْعِم بِالنِّعمة فما الفرق بين المؤمن والكافِر ؟
الكافِر مع النِّعْمة ولكنَّ المؤمن مع المُنْعِم والكافِر يقول أنا وفلان وعِلان وزَيْد وعُبَيْد ومال وطعام وشراب وبيْت أما المؤمن يقول : هو الذي تَفَضَّل عليَّ بِهذا البيْت وهو الذي مَنَحني هذه الصِّحة وهو الذي أعْطاني هذا العَقْل وهو الذي أكْرَمني بِهذه الزوْجَة وهو الذي وهَبَني هؤلاء الأولاد ومَكَّنَني في الأرض وهو الذي رزقني وهو الذي عَرَّفَني بِذاتِهِ وهو الذي دلَّني عليه فكُلُّ شيءٍ "هو" والكافِر لا يَفْتَأُ يقول : أنا أنا لِذلك أنا ونحن ولي وعِنْدي أربَعُ كلِماتٍ مهْلِكات وفيها شِرك ؛ أنا خيرٌ منه قالها إبْليس فأَهْلَكَهُ الله . ونحن أولوا قوة وأُولوا بأسٍ شديد قالها قوم بَلْقيس فأهْلكهُم الله وقارون قال: إنما أوتيتُهُ على عِلْمٍ عندي فأَهْلَكَهُ الله عز وجل وفِرْعون قال : أليْسَ لي مُلْكُ مِصْر فأَهْلَكَهُ الله عز وجل إذاً المؤمن يقول : هو والكافِر يقول : أنا والمؤمن مع المُنْعِم والكافِر مع النِّعْمة والمؤمن نسب النِّعمة إلى المُنْعِم وتَجاوَز الخلق إلى الخالِق وعبَر من النِّظام إلى المُنَظِّم ودخلَ من التسْيير إلى المُسيِّر ورأى النِّهاية والأول والآخر ورأى الله أوَّل كلِّ شيء ورأى الله جلّ جلاله نِهايَة كلِّ شيءٍ .
قال تعالى : " هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " هذه الكلِمة لها عند أهْل الحقيقة شأْنٌ كبير "هو" أحْياناً في اللغة العربِيَة قد يُحْذَف الفاعِل أوْ يُبْنى الفِعل للمجهول ؛ تقول : كُسِر فالفِعل كُسِر فِعْلٌ ماضٍ مبني للمجهول ومتى يُبْنى الفِعل للمجهول ؟ .
قالوا : إذا لم نعْرِف الفاعِل أو إذا خِفْنا على الفاعِل أة إذا خِفْنا منه فإنْ خِفْنا منه نُخْفهِ وإنْ خِفْنا عليه نبْنهِ للمجهول وإن كان مجْهولاً نبنه على المجهول أما في الحالة الغريبة جداً يُبْنى الفِعْل للمجهول إذا كان الفاعل واضِحاً وكان وُجودُهُ صارِخاً قال تعالى :

(سورة الأنبياء)
من الذي خلقَهُ ؟ هل يوجد إلهٌ غير الله ؟ لأنَّ الله هو الخالِق ولك أنْ تقول خُلِق الإنسان من عَجَل ؛ فَخُلِقَ التي تُشير إلى أنَّ الفِعْل مبْني للمجهول إحدى العِلَلِ للبِناء للمجهول شِدَّةُ ظهور الفاعِل فَشِدَّةُ ظهورِهِ تدْعو لِبِنائِهِ للمجهول أو لخفائهُ نبْنيهِ للمجهول أو أنْ نخافَ منه أو أنْ نخافَ عليْه.
أرْجو الله سُبْحانهُ وتعالى أنَّكُم إذا قرَأتُم القرآن الكريم ووَقَفْتُم عند كلِمة "هو" أنْ تتذوَّقوا ماذا تعْني "هو" هو الظاهر والخالق والبارىء والمصوِّر والمُعطي والمانِع والرافِع والخافِض وهو المُعِز والمذِلّ وهو الكريم واللطيف والقهار وهو الجبار والمُنْتَقِم .
لذلك أعْطَوا لإنسان أُميّ مُسَجِّلة وجَعَلوها معه دائِماً وسَجَّلوا كلامَهُ خِلال أسْبوع ثم أَفْرغوا هذه الأشْرطة على ورق وحَذَفوا الكلمات المتكرِّرة فإذا بِهذا الإنسان ضعيف الثقافة ومحْدود التَّفْكير والتجارب والخِبْرات حياتُهُ رتيبة لا يتكَلّم أكثر من مئة وخمسين كلمة في حياتِهِ ؛ ثم أعْطوا هذه المُسَجِّلة إلى إنسان يحْمل شهادة عُلْيا ورافَقَتْهُ خلال أُسبوع في حِلِّهِ وتِرْحالِهِ وفي بيْتِهِ وعملِهِ وفي لِقاءاتِهِ وفي الطريق وفي السَّفر وأَفْرَغوا هذه الكلمات على ورق وحّذَفوا الكلِمات المُتَكرِّرة فَوَجدوا أنَّ الإنسان المُثَقَّف يتكلَّم في حياتِه اليوْمِيَّة بِألف وخمسِمئة كلِمة وهذا تماماً لو أعْطَيْنا إنساناً لَوْنَين وقُلْنا اُرسُم هذا المنظر الطبيعي بِريشَتِك من خِلال هذين اللَّوْنَين جمالٌ عجيبٌ جداً يغيب عن هذه اللَّوْحَة لِقِلَّةِ الألْوان أما لو كان معه مئة لوْن فسوف يُعْطي كلَّ زهْرةٍ لَوْنَها وكلَّ حقْلٍ لوْنَهُ والشَّفق الأحمر لونهُ بِالتدْريج وللسماءِ زُرْقَتُها وللبحر ألْوان عديدة هذا فيما لو أعْطَيْناهُ ألْواناً كثيرة فالمُثَقَّف ثقافة عالِيَة يتحدَّثُ في أسْبوعِهِ أكثر من ألف وخمسِمئة كلِمة .
وبعد لو طبَّقْنا هذه التجرِبة على مؤمن صَدِّقوني ولا أُبالِغ إذا قلت لو سَجَّلنا كلامَهُ خلال أسْبوع في إقامَتِهِ وعَمَلِهِ وفي بيْتِهِ وفي الطريق وفي لِقاءاتِهِ وسَهَراتِهِ وفي ندَواتِهِ وسفَرِهِ لَوَجَدْنا أنَّ كلمة الله تتكرَّرُ في أسْبوعِهِ آلاف المرات ؛ يقول : الله أكْرمني والله فضَّلَها عليَّ وكان فضْل الله عليك عظيماً والله هداني ورزقني هذه البِنْت والله أكْرمني بِهذه الزوجة وبِهذا العمل ووَفَّقَني وهذا كلامٌ حقيقي وواقِع وهو شُعور المؤمن ؛ ضَعْ هذه المُسَجِّلة مع إنسان بعيد عن الدِّين يقول : أنا عَمِلت وفلان أعْطَيْتُهُ وفلان خيره مني دائِما يتكلَّم عن ذاتِهِ وعن عطاياه وعن ذكائِهِ وتَفَوُّقِهِ وذلك لأّنَهُ محْجوبٌ عن الله عز وجل ، فَلَوْ كلَّفْنا طالِباً أنْ يُلْقي درْساً أمام أُسْتاذِهِ فهذا الطالب يفْقِد تسعين بالمئة من قُدْراتِهِ لأنَّ كُلَّ عِلْمِهِ من أسْتاذِهِ فإذا أراد أنْ يتكلَّم بِعِلْم أُسْتاذِهِ أمام أسْتاذِهِ يَخْجَل لِذلك أحْياناً المُدَرِّسون يَفْقِدون جزءاً كبيراً من قُدْراتِهم التدْريسِيَّة حينما يُلْقون درْساً أمام أُسْتاذِهِم وهذا شيءٌ طبيعي جداً أما المؤمن لا يسْتطيع أنْ يقول : أنا في حضْرة الله تعالى ؛ يقول : أنا ذكيٌ فالله عز وجل قادِر بِساعة وبِخَثرةٍ بالدِّماغ أن يسلبه كبره وغروره بل حياته والأهْل يتَرَجَّوْن كلَّ الأشخاص من ذوي النفوذ كي يُدْخِلوا أباهُم إلى مُسْتَشْفى المجانين وقد يكون أبوهُم من فلتات الزمان بالذكاء تتجَمَّد نقطة دم بالدِّماغ يفْقِد ذاكِرَتَهُ ويُصْبِح يتكلَّم كلاماً فيه هذيان ويخافون من الفضيحة ويتوَسَّطون لِيُدْخِلوهُ إلى مسْتَشْفى الأمْراض العَقْلِيَّة فَكَلِمة : أنا فيها تطاوُل على الله وشِرْكٌ خفِيٌ .
مرةً ثانِيَة نقول : المؤمن ينسب النِّعمة إلى المُنْعِم وينتَقَل من النِّعْمة إلى المُنْعِم أما الكافر محْجوب بِالنعمة عن المُنْعِم لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه كانت تَعْظُم عنده النِّعمة مهما دقَّتْ ؛ سأل أحدهُم أحد الخلفاء الكِبار الذين التي لا تغيب الشمس عن بِلادهم وقد حمل كأس ماء ليشربها وهو أحد الخلفاء في العصر العَباسي فقد نظر إلى سَحابةٍ فقال يخاطبها : اذْهبي أنى شِئْتِ فسوف يَأتيني خراجُكِ أينما هبطت أمطارك ، فهذا الخليفة طلب كأسَ ماءٍ فقال له وزيرُهُ يا أمير المؤمنين بِكم تشْتري هذه الكأْسَ إذا مُنِعت عنك ؟ قال بِنِصْفِ مُلْكي قال : فإذا مُنِعَ إخْراجُهُ قال بِنِصْفِ مُلْكِيَ الآخر فلما يشرب الإنسان كأس ماء والطريق سالِك ولما يُفْرِغُ هذه الكأس والطريق سالِك فهذه نِعْمَةٌ لو مُنِعَها لاشْتراها بِكُلِّ ما يمْلِك ولما ينتقل الإنسان بِقُوَّتِه الذاتية دون أنْ يُحْمَل فهذه نِعْمةٌ كبيرة جداً فالإنْسان حينما يفْقِد الحركة يفْقِدُ كرامَتَهُ عند أقْرب الناس إليه وعند أعزِّهِم فأقْرب الناس إليه يتمَنى موْتَهُ يا رب خَفِّف عنه تقولُها زوْجَتُهُ وولَدُهُ فَمكانَتِك من حركتك من رِزْقِك فهم حوْلك مضْطَرِبون ولو حاوَلْتَ أنْ تأْخُذ مالاً لنفعتك منهم لَكُنْتَ ذليلاً ولَضَعُفَتْ مكانَتُك فمكانَتُك من حركتِك وصِحَّتِك ومن عقْلِك ومالِك ؛ من منحك هذا المال ؟ ومن منحك هذه الصِّحة وهذا العقل ؟ والمؤمن كلَّما ارْتقى عند الله يعيش في نِعَمِ الله ومن عاشَ في نِعَم الله زادَهُ الله نِعَماً قال تعالى :

(سورة إبراهيم)
فإذا أردت ضماناً لِبَقاء النِّعْمة وضَماناً لازديادها فاشْكر الله عليها .
في سورة الحديد يقول الله عزو جل : " هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " .
يُعَلِّق بعض المُفَسِّرين على هذه الآية فَيَقُول : الأول ليس قبْلَهُ شيء والآخر ليس بعده شيء والظاهِر ليس فوْقه شيء والباطِن ليس دونه شيء ؛ لا قبلَهُ ولا بعْدّهُ ولا فوْقَهُ ولا دونه والأول والآخر اسْتِغْراقٌ للزمان والظاهر والباطِن اسْتِغْراقٌ للمكان والمكان مُسْتَغْرَق بالأول والآخر وهي حُدودُهُ فلَيْس قبلهُ شيء ولا بعْده فربنا سُبحانه وتعالى هو خالِق الزمان وليس فوْقَهُ شيء ولا تحْتَهُ شيء هو خالق المكان فهذه الآية الدقيقة : " هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " .
اسْتَغْرقَت حدود المكان والزمان فالله عز وجل خالِق المكان والزمان ولا يُقال متى كان الله ؟ لأنه خالق الزمان ولا أين هو ؟ لأنّه خالق المكان وقوله : " وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " تسْتَغْرِق الحقيقة الكامِلة قد تجد شخْصاً عنده بعض الحقيقة والآخر مُعْظم الحقيقة لكن الذي يَمْلِك الحقيقة كلَّها هو الله ؛ قد تَسْمع أحْياناً قصة انْتُقِيَ منها أهمّ الأحْداث المُهِمَّة وَرُصِفَتْ إلى جَنْب بعضِها لكنَّكَ أنت لا تعْلم كُلَّ مُلابِساتِ القِصة والله وحْده يَعْلم الحقيقة الكامِلة ؛ صَدِّق أوْ لا تُصَدِّق أنه ليس في الكَوْن كلَّهُ أحد يعْلم الحقيقة الكامِلة حتى ولا الأنبِياء ولا يَعْرِف الله إلا الله والأنبياء أعلى الناسِ معْرِفَةً على الإطلاق ولكنّ الحقيقة الكاملة والمُطْلقة لا يَعْلمها إلا الله .
أحْياناً يُتَهّم إنْسان وهناك أدِلّة كثيرة تُؤيِّد اتِّهامَنا له ولكنّ الحقيقة الكامِلة عنه يَعْرِفها الله فقد يكون بريئاً ، لِذلك من الأدْعِيَة اللَّطيفة : " الحمد لله على أنَّك موْجود والحمد لله على أنَّك تعْلم والحمد لله على أنّك تقْدِر والحمد لله على أنَّك مُطَّلِع وأنّك سميع وبصير " ، فهذا عزاء المؤمن وأكبر عزاءٍ له مهما كال له الناس التُّهَم هو اطمئنانه أنَّ الله يعْلم حقيقة ماله ، وما دام الله يعْلم فلا يهْتَمّ بِأَحَدٍ إلا هو ؛ الحمد لله على أنَّك موْجود والحمد لله على أنَّك تعْلم والحمد لله على أنّك تقْدِر والحمد لله على أنَّك مُطَّلِع وأنّك سميع وبصير فقَوْله تعالى : " هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " هذه الآية تُشير إلى أنّ الله تعالى فوْقَ المكان والزمان وهو وحْدَهُ يعْلم الحقيقة الكامِلة.
بعضُهم قال : إنه رأى اله في كلِّ شيء وبعضُهم قال : إنه رأى الله من وراء كلِّ شيء وبعضهم قال : إنه رأى الله فلم يرَ أحداً غيره في الوُجود وهذه كُلُّها أقْوال تُشير إلى هذه الحقيقة العُظْمى حقيقة أنَّ الله سُبْحانه وتعالى مع كلِّ مخْلوق لِذلك قوْلُهُ تعالى :

(سورة الإخلاص)
تعْدِل ثُلُث القرآن والإنسان لو ألْقى كلِمة وسَجَّلها وإسْتَمع إليْها يجْري معه ما يُسَمى بالنَّقْل الذاتي والإنسان إذا جلس مع أخيهِ المؤمن ؛ الأخُ المؤمن مِرْآةٌ لأَخيهِ ولكِنَّه يجب أنْ يُراقِب نفْسَهُ إذا تكلَّم‌َ ولْيَسْتَنْصِح أخاهُ إذا كان معه فَهذا سيِّدُنا عمر بن عبد العزيز اخْتار أحد العلماء الأتْقِياء الوَرِعين وجَعَلَهُ مُسْتَشاراً له وكان اسْمه عمر أيْضاً فقال له : إذا رأيْتني ضلَلْتُ فَأَمْسِكْني من تلابيبي وهُزَّني هزاً شديداً وقُل لي : اتَّقِ الله ياعمر فإنَّك سَتَموت .
قد تجِد أخاً يُؤْثِر المُجامَلة وآخر يؤْثر المُناصَحة والحقيقة أنّ الحق وسطٌ بينهما فإذا لم يكن عنده مُجامله إطْلاقاً فهو مُنَفِّر وإذا لم يكن عنده النصيحة فهو منافق فأنت اعْتَدِل بينهما والزم جانب المُجامَلَةِ أحْياناً فإذا قال لك : الحرارة أربعين وكانت خمساً وثلاثين لَكَ أنْ تُجامِلَهُ ويُمْكِنُك ألا تُسَفِّهَهُ إذْ إنَّها لا تُقَدِّم ولا تؤخِّر فهناك أشياء كثيرة تُلْقى في المجالِس يخْتَلِفون عليها ويتشادّون عليها وهي لا تُقَدِّم ولا تُؤخِّر فَيُمْكِنُكَ في هذا أنْ تُجامِل وقال لك هذه غالِيَة تقول له لا علَيْك ففي موضوع الدنيا لك أنْ تُجامِل أما إذا صار هناك طَرْحٌ خِلاف الحق فَيَجِب أنْ تنْصَح وألا تُجامِل فنحن لو كُنا نُحِب بعضنا بعْضا كما أراد الله عز وجل لَكُنا مُتناصِحين وهكذا ينْبغي أن نكون وكل من عزا شيئاً من قُدْراتِهِ لِذاتِه ينبغي أنْ نتلَطّف إليه ونقول له : لا تقُل هكذا ، بل وقُلْ هذا بِتَوْفيق الله وبِتأْييد الله ؛ حدّثني مرةً أخ كريم وهو طبيب يعمل في المُسْتَشْفى وقال لي إني أنْظر إلى النِّساء المُمَرِّضات وكَأَنَّهُنّ رِجال فوجَدْت في هذا الكلام كِبْر فقلْتُ له ما بال سيِّدنا يوسف عليه السلام يقول :

(سورة يوسف)
لقد أمرك الله أنْ تَغُضّ بصرك عن محارِم الله فلا تَقُل أنا عندي إرادة قَوِيَّة وإني أحبّ الله ورسوله وأنا مُتَمَسِّك ولا أتَزَعْزَع ؛ قَل ربي جلّ جلاله أكْرمني ومكَّنني من غضِّ البصر ومنحني هذه النِّعْمة ولا تَقُل أنا أدْعو إلى الله إنما قُل الله شَرَّفني وسمح لي أن أدْعو إليه فَكُلَّما وحَّدْت الله جاءت عِبارَتُك أحْلى من العسَل وكلما غفلْتَ عن الله جاءتْ عِبارَتُك أَمَرّ من الحَنْظل فالتوحيد مُريح يبعث الاطمئنان النفسي والسكينة لصاحبه ، وأنا لا أقول لك تواضَع فهذه هي الحقيقة فأنت لا شيء أبداً أمام الله سبحانه ، فالله هو كلّ شيء ؛ هو الذي أعْطاك هذا الذكاء .
ذكر لي أحد الإخوة أنَّهُ بِذكاءٍ نادِر حسب زعمه تمكَّن ذات مرة من أنْ ينْجو من ورْطة كبيرة جداً فقلت له هذا غلط وإنما قُل : بِتَوْفيق الله الله نجاني وعافاني أما إذا قُلْتَ بِذكاءٍ كبير - وسُبحان الله - الله غيور فأنت حينما تعْزو شيئاً من ذكائِك وقُدْراتِك وإنْجازاتِك إلى ذاتِك فإن ربنا عز وجل لأنه يُحِبُّك فسوف يُؤَديك فيَسْحَب من تحت قدمَيْك البِساط قال : أهل الأمثال في هذه المناسبة رقصت الفضيلة تيها بِفَضْلِها فإنْكَشفت عَوْرَتُها فإذا أحْسن الإنسان سكت ولم يُحدَّث أحداً كي يبْقى مرموقاً موقراً ، ولكنه إذا حدَّثهم عن فعله لِيَسْتَعْلِيَ فقد أساء أما إذا أُحْسِن إليك لا ينْبغي أنْ تسْكُت فهذا من الجحود وكان عليه الصلاة والسلام يُحَسِّن الحسنَ ويُصَوِّبُهُ ويُقَبِّح القبيح ويُوَهِّنُهُ ، فهذا واحِدٌ من أصْحاب النبي نزع من على النبي ريشَةً فقال عليه الصلاة والسلام :" اللهم أكْرِمْهُ كما أكْرمني " يُرْوى أنّ السيِّدة فاطِمة حينما كانت بِنْتاً صغيرةً جداً طرق الباب عليها أبو لهب أو أبو جهلٍ - لا أذْكر - فقال : أين أبوك فقالت : لا أعْلم فَلَطَمَها على وجْهِها فلما علِم أبو سُفْيان بِالخبر ذهب وحملها على يدَيْهِ وذهب إلى بيتِ أبي جهْلٍ وقال : اُلْطُميهِ على خَدِّهِ فلما بلغ النبي ذلك قال : اللهم لا تنْسَها لأبي سُفْيان ؛ أقول لكم نصيحة : إذا فعَلْتَ خيراً فلابد أنْ تنْساه وإذا فُعِل معك خير ينْبَغي ألا تنْساهُ أبداً وهذا من عادة المؤمن قال تعالى :

(سورة البقرة)
فهناك من لدَيْهِ رغْبة في إنْكار الفضْل وطَمْسِهِ وفي إغْفالِهِ أما المؤمن فلا يفْعلُ هذا فإذّا فعلْتَ مع الناس معْروفاً يجب أن تشْعر أنَّك ما فعلْتَ معهم شيئاً فهم حينما سَمَحوا لك أنْ تفْعَل لهم هذا المعْروف تفضَّلوا عليك ومكَّنوك من عمَلٍ صالِح وبعض العارِفين بالله يقول : هذا الفقير الذي قبِلَ أنْ يَأْخذ مني مكَّنَ لي هذا العمل في الأرض وإلا فأنا محْرومٌ منه ويُعْطيه ويشْكُرُهُ والذي يأخذ ينبغي ألا ينْسى والذي يُعطي ينْبغي أنْ يَنْسى ، كلُّ هذا سُقْتُهُ تمْهيداً إلى أنَّك إذا تحدَّثْتَ أمام إخْوانِك ولم تعْزُ الأشْياء إلى أصْحابِها يجب أنْ ينْصَحك أصْحابُك ؛ قُل هو الله : المعطي والمانع والمعز والمذل والإنسان كلما تأمَّل في نِعَم الله عزو جل زادَتْ محَبَّتُهُ لله وورد في الحديث الشريف : " أحِبوا الله لِما يَغْدوكم به من نِعَمِه وأحِبوني لِحُبّ الله وأحِبوا آل بيْتي لِحُبي " .
فمُلَخَّص هذا الدرس ؛ راقِبْ نفْسَك حينما تتكَلَّم ؛ هل تقول أنا أم تقول الله ؟ إخْواننا الكِرام أُذَكِّركم بِما أقولُهُ لكم كثيراً : أنت في كلِّ دقيقةٍ بيد درْسَين بليغَيْن درْسِ بَدْر ودرْسِ حُنَيْن فَصَحابة رسول الله صلى اله عليه وسلّم في بَدْرٍ افْتَقَروا إلى الله وقالوا : الله فَنَصَرهم الله عز وجل وتَوَلاهُم وهُمْ هُمْ ذاتهم ومعهم النبي في حُنينٍ قالوا : لن نُغْلب من قِلّة فَتَخلى الله عنهم قال تعالى :

(سورة التوبة)
فهذا الدرْس مُلَخَّصُهُ : إذا قُلْتَ أنا تخَلى الله عنك وإذا قُلت الله تولاك فأنت بين التوْلِيَة والتخْلِيَة لكن أحْياناً بعض الناس يقول الله ويَقْصِد نفْسَهُ فهذا توْحيد مُغَلَّف بِالشرك وهناك شِرك مُغَلَّف بالتوحيد بين المؤمنين ؛ فالمؤمن مُتواضِع لله عزوجل قَلْباً وقالِباً شكْلاً ومضْمونا ومُحْتَوى وإطاراً فهذا هو المؤمن .
فَلِذلك " هو " يجب أنْ تُديرَهُ على لِسانِك كثيراً ؛ هو الذي أعْطاني وهو الذي خلقني وهو الذي صَوَّرَني في بطْن أمي وأحْسَن خلْقي وهو الذي أعْطاني هذا الشكل الحسن ، والنبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى المِرآة فقال : " اللهم كما حسَّنْت خَلْقي فحسِّن خُلُقي " جعَلَك كامِلاً وجعَلَ لك السمْع والأبْصار والأفْئدة وأجْهِزة تعْمل بإنْتِظام فَيَجِب أنْ تقول في اليوم "هو" آلاف المرات وهو يعْني الله لأنَّهُ الحقيقة العُظمى في الكون والشيء الصارخ والشيء الذي ليس قبْله شيء ولا بعده ولا فوْقه ولا تحْتهُ وهو يعْلم كلَّ شيء ؛ جمع الزمان والمكان وكمال العِلم .
أيها الإخوة الكِرام ، أسْماء الله الحُسنى تشْغل حيِّزاً كبيراً من حيِّز الإيمان والعقيدة وأصْل معرفة الله أنْ تعْرف أسْماءه الحسنى وصِفاتِه الفُضْلى وحديثنا عن أسْماء الله الحُسْنى حديثٌ مُقْتَضَب لأنّ الحديث عن الله عز وجل كما قال تعالى :

(سورة الكهف)
قد يسْتَخْدم الواحد منا دواة حِبر عامَيْن أو ثلاثة وكانوا قديماً يبيعون لتر حِبْر وأعْرِف أسْرة من نَشْأتِها إلى عشْرين أو ثلاثين سنة وهذا اللتر يكْفي كلّ أفْراد الأسْرة لعام أو أكثر ، فكيف إذا كان هناك خمسة أمْتار مُكَعَّبة فكم عالماً يكفي وكم أسرة تستعمله ؟... قال تعالى : " قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا "
فانظر إلى سعة علم الله تعالى .
وقال تعالى :
(سورة لقمان)
فنحن نتحدَّث عن أسْماء الله الحُسنى حديثاً يسيراً لأن الله سبحانه وتعالى صدق التوجه والقبول لا يَعْرِفه إلا هو عز وجل ولا يحيط به حديث مهما افرّغ وطال ومعْرِفة الخلق له سبحانه فمعْرِفةٌ نِسْبِيَّة وحسبنا .
والحمد لله رب العالمين